عدن – منى التركي
تقدر الأبحاث أن نصف فرص العمل تقريباً في الولايات المتحدة الأمريكية تتوافر من خلال الصلات الاجتماعية والمعارف.
ذات الأبحاث تشير أيضاً إلى أن القنوات الاجتماعية للنساء تكون عادة أقل فائدة مقارنة بالرجال لأنها تشتمل على أقرانهنّ من النساء ضعيفات التمثيل في المواقع القيادية حيث يصعب على المرأة اقتحام مجتمع الرجل.
في بلدنا مع أخذ الكثير من الفوارق بالاعتبار تعد فرص النساء العاملات في المؤسسات مع غياب أو عدم فاعلية التشريعات الرادعة للتحرش والمضايقات من ضمن البلدان الأكثر سوءاً
آلية الاستبعاد عن الفرص القيادية ليس لها وطن كما يبدو ، ففي بلدنا مع اخذ الكثير من الفوارق بالاعتبار تعد فرص النساء العاملات في المؤسسات مع غياب أو عدم فاعلية التشريعات الرادعة للتحرش والمضايقات من ضمن البلدان الأكثر سوءاً، إذ تصبح محاولة بناء شبكة من العلاقات ذات الفائدة مهمة خطرة للغاية. فكيف يحصل ذلك؟
العيش في حقل من الألغام
تقول الأستاذة الجامعية ذ.خ: “النساء العاملات تحديداً يعشنّ كما لو كنَ في حقلِ ألغام. دائماً عليهنَ الحذر في كل خطوة يخطينها”. ثم تحكي إنها في إحدى المرات التي أرسل إليها رئيس قسمها الذي درست وعملت إلى جواره 20 سنة رسائل غير لائقة على تطبيق واتس آب.
أتعمد أن أبقى بعيدة عن المواقع القيادية وأكتفي بالتدريس لكي لا أتعرض للاحتكاكات غير الضرورية مع الرجال
وتقول: “كان ذلك مباشرة بعد فترة حرصت فيها على الاطمئنان على حاله بعد أن قُتل ابنه. فعلت ذلك بدافع الواجب الإنساني لكنني لم أتوقع أن أقابل بسوء الظن!”
وتضيف: “أنا أتعمد أن أبقى بعيدة عن المواقع القيادية وأكتفي بالتدريس لكي لا أتعرض للاحتكاكات غير الضرورية مع الرجال، أنا أعرف أين يمكن أن أسير مرتاحة البال لكن المواقف المؤذية تحصل من حيث لا ندري.”
امرأة أخرى تدعى س. م. تعمل في مجال الصحافة تتحدث عن بداية مشوارها المهني؛ قائلة: “في مرة تحدث معي أحد الصحفيين الكبار مبدياً إعجابه بكتاباتي وطلب رقم هاتفي”. وتضيف: “اعطيته رقم هاتفي كزميل مهنة متمرس قد يوفر لي فرص عمل أو يُوجهني، لكنه بدأ بالاتصال عليَ في أوقات متأخرة من الليل بغرض المعاكسة”.
تتحدث س. م. عن كم الإهانة الذي شعرت به وكيف أن هذا الموقف جعلها تنفر تماماً من مجتمع الصحفيين وتعزف عن المشاركة في أية مقابلات أو لقاءات مالم تكن رسمية حتى وإن كانت تلك الفعاليات تحمل بوادر فرص للعمل.
تكلفة التحرش وجهود تجنبه
يرى د. فضل الربيعي وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة عدن أن التحرش الجنسي له تبعات نفسية واجتماعية على شخصية المرأة قد تكون طويلة المدى وإن كان من خلال موقف استغرق لحظات بسيطة.
أما في بيئة العمل والدراسة فالكلفة أكبر، يروي د. فضل حالة زميلة له كانت قد تركت دراستها لتعرضها للتحرش. ويتابع: “يُفقد التحرش المرأة ثقتها بالرجال وهذا يؤثر على تعاملاتها اليومية وحياتها المهنية. وقد تطال الآثار نفسيتها فتصاب بالاكتئاب والقلق والانطواء وتتخذ قرارات تضر بنفسها في بعض الأحيان”.
يُفقد التحرش المرأة ثقتها بالرجال وهذا يؤثر على تعاملاتها اليومية وحياتها المهنية.
تحدثنا مع شابات وشباب كُثر ، بعضهم زملاء في مقاعد الدراسة والبعض الآخر أنخرط حديثًا في سوق العمل وجميعهم أجمعوا أن التحرش قد يُحجم طموحات المرأة.
يقول عبدالمجيد وهو طالب جامعي “ظاهرة التحرش قطعًا تضغط على النساء للتخلي عن طموحات القيادة إذا ما كانت القيادة تعني أنهنَ سيقابلنَ رجال أكثر”؛ وتضيف أسماء وهي طالبة في الثانوية: “قد تلجأ الفتيات والنساء وبضغط من أسرهنّ إلى ترك حياة الدراسة أو العمل كليًا ما لم يشعرنَ بالأمان والدعم في محيطهنّ”.
أتفق غالبية الشباب والشابات الذين قابلناهم على ضرورة وجود رادع قانوني للتحرش.
كيف يكون الحل؟
أتفق غالبية الشباب والشابات الذين قابلناهم على ضرورة وجود رادع قانوني للتحرش. يقول عبدالمجيد: “علينا أن نشجع المرأة على الحديث عن حوادث التحرش التي تتعرض لها، وعلينا فرض عقوبات على المتحرشين.” ويضيف: “للرجال دور هنا أيضًا، فدعم الزميلات وتمكينهنّ من حقوقهنّ أحد واجباتنا أيضًا”.
أما منية وهي طبيبة فتقول “ما ينقصنا فعليًا هو التثقيف والدعم والبناء النفسي وتعزيز التماسك الداخلي سواء من خلال التدريب والتأهيل أو الندوات أو توعية الفتيات والنساء بحقوقنَ وكيف ينبعي أن يتصرفنً في حالة تعرضنَ للتحرش، علينا أن نكسبهنّ الثقة في أنفسهنّ ووطنهنّ.”
نساء أخريات بدا إن لهن منظورًا مختلفًا حيث يفضلن فكرة أن تطور المرأة آليتها الدفاعية ذاتياً سواء بوجودالقوانين أو غيابها. تقول نعمة وهي طبيبة أسنان: “أحتاج بعد التدخل الجراحي عادة إلى متابعة مرضاي هاتفياً. غالباً ما يحدث أن يستغل المرضى الرجال حصولهم على رقم هاتفي ويبدأون بمعاكستي. في بداياتي كطبيبة كنت أنزعج وأحبط لكنني الآن تعلمت كيف أعيد توجيه هكذا مواقف وأفرض حضوري وشخصيتي كامرأة تُقدم خدمة سامية.”
من جانبه، يرى د.فضل أن الحل يكمن في صياغة موقف مجتمعيمن هكذا ظواهر، وتتحمل مؤسسات التنشئة الكبرى من الأسرة إلى المدرسة والمؤسسة الدينية مسؤولية كبيرة في تعميق الوعي الإنساني والقيمي تجاه سلوك الأفراد في المجتمع كما يقول
الأمان، التقدير والكرامة حقوق أساسية لا يمكن لأي إنسان أن يفعّل معظم امكاناته دونها. فالتحرش ماهو إلا واحدة من تلك العقبات التي اعاقت بعض النساء عن تحقيق ذواتهنّ فهو لا يؤذيهنّ فقط بل ويعزلهنّ عن الفرص أيضاً.
(تنشر هذه القصة بالتزامن مع نشرها في منصة “هودج“، وفقًا لمذكرة تفاهم بين موقع المواطن ومركز الدراسات والإعلام الاقتصادي)